فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

ومُثِّل هذا الإنفاق بجنّة بربوة إلخ، ووجه الشبه هو الهيأة الحاصلة من مجموع أشياء تكامل بها تضعيف المنفعة، فالهيأة المشبّهة هي النفقة التي حفّ بها طلب رضي الله والتصديقُ بوعده فضوعفت أضعافًا كثيرة أو دونها في الكثرة، والهيأة المشبّهة بها هي هيأة الجنّة الطيّبة المكان التي جاءها التهتَان فزكا ثمرُها وتزايد فأكملت الثمرة، أو أصابها طلّ فكانت دون ذلك.
والجنّة مكان من الأرض ذو شجر كثير بحيث يجِنّ أي يستر الكائن فيه فاسمها مشتقّ من جنَّ إذا ستر، وأكثر ما تطلق الجنّة في كلامهم على ذات الشجر المثمر المختَلف الأصناف، فأما ما كان مغروسًا نخيلًا بحتًا فإنّما يسمى حائطًا.
والمشتهر في بلاد العرب من الشجر المثمر غير النخيل هو الكرم وثمره العنب أشهر الثمار في بلادهم بعد التمر، فقد كان الغالبَ على بلاد اليمن والطائف.
ومن ثمارهم الرمّان، فإن كان النخل معها قيل لها جنّة أيضًا كما في الآية التي بعد هذه.
ومما يدل على أنّ الجنّة لا يراد بها حائطُ النخل قوله تعالى في [سورة الأنعام: 141] {وهوَ الذي أنشأ جناتتٍ معْروشات وغير معْروشات والنّخل والزرع} فعطف النخل على الجنّات، وذكر العريش وهو مما يجعل للكرم، هذا ما يستخلص من كلام علماء اللغة.
وقد حصل من تمثيل حال الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بحبّة ثم بجنّة جناس مصحَّف. والربوة بضم الراء وفتحها مكان من الأرض مرتفع دون الجُبيل.
وقرأ جمهور العشرة بربوة بضم الراء وقرأه ابن عامر وعاصم بفتح الراء.
وتخصيص الجنة بأنّها في ربوة لأنّ أشجار الربى تكون أحسن منظرًا وأزكى ثمرًا فكان لهذا القيد فائدتان إحداهما قوة وجه الشبه كما أفاده قول ضعفين، والثانية تحسين المشبّه به الراجع إلى تحسين المشبّه في تخيّل السامع.
والأكل بضم الهمزة وسكون الكاف وبضم الكاف أيضًا، وقد قيل إن كل فُعْل في كلام العرب فهو مخفف فُعُل كعُنْق وفُلْك وحُمْق، وهو في الأصل ما يؤكل وشاع في ثمار الشجر قال تعالى: {بجناتهم جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ} [سبأ: 16] وقال: {تؤتى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب {أُكْلها} بسكون الكاف، وقرأه ابن عامر وحمزة وعاصم والكسائي وخلف بضم الكاف. وقوله: {ضِعفين} التثنية فيه لمجرد التكرير مثل لَبَّيْك أي آتت أكلها مضاعفًا على تفاوتها.
وقوله: {فإن لم يُصبها وابل فطل}، أي فإن لم يصبها مطر غزير كفاها مطر قليل فآتت أكلها دون الضعفين.
والمعنى أن الإنفاق لابتغاء مرضاة الله له ثواب عظيم، وهو مع ذلك متفاوت على تفاوت مقدار الإخلاص في الابتغاء والتثبيت كما تتفاوت أحوال الجنات الزكية في مقدار زكائها ولكنها لا تخيب صاحبها. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير}.
هذا مثل الذي مصدر نفقته عن الإخلاص والصدق فإن ابتغاء مرضاته سبحانه هو الإخلاص والتثبيت من النفس هو الصدق في البذل فإن المنفق يعترضه عند إنفاقه آفتان إن نجا منهما كان مثله ما ذكره في هذه الآية إحداهما طلبه بنفقته محمدة أو ثناء أو غرضا من أغراضه الدنيوية وهذا حال أكثر المنفقين والآفة الثانية ضعف نفسه وتقاعسها وترددها هل يفعل أم لا؟
فالآفة الأولى تزول بابتغاء مرضاة الله.
والآفة الثانية تزول بالتثبيت فإن تثبيت النفس تشجيعها وتقويتها والإقدام بها على البذل وهذا هو صدقها وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها فإذا كان مصدر الإنفاق عن ذلك كان مثله كجنة وهي البستان الكثير الأشجار فهو مجتن بها أي مستتر ليس قاعا فارغا والجنة بربوة وهو المكان المرتفع فإنها أكمل من الجنة التي بالوهاد والحضيض لأنها إذا ارتفعت كانت بدرجة الأهوية والرياح وكانت ضاحية للشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها فكانت أنضج ثمرا وأطيبه وأحسنه وأكثره فإن الثمار تزداد طيبا وزكاء بالرياح والشمس بخلاف الثمار التي تنشأ في الظلال وإذا كانت الجنة بمكان مرتفع لم يخش عليها إلا من قلة الماء والشراب فقال تعالى: {أصابها وابل} وهو المطر الشديد العظيم القدر فأدت ثمرتها وأعطت بركتها فأخرجت ضعفي ما يثمر غيرها أو ضعفي ما كانت تثمر بسبب ذلك الوابل فهذا حال السابقين المقربين {فإن لم يصبها وابل فطل} فهو دون الوابل فهو يكفيها لكرم منبتها وطيب مغرسها فتكتفي في إخراج بركتها بالطل وهذا حال الأبرار المقتصدين في النفقة وهم درجات عند الله فأصحاب الوابل أعلاهم درجة وهم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأصحاب الطل مقتصدوهم فمثل حال القسمين وأعمالهم بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة بالوابل والطل.
وكما أن كل واحد من المطرين يوجب زكاء ثمر الجنة ونحوه بالأضعاف فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد أن صدرت عن ابتغاء مرضاة الله والتثبيت من نفوسهم فهي زاكية عند الله نامية مضاعفة.
واختلف في الضعفين فقيل ضعفا الشيء مثلاه زائدا عليه وضعفه مثله وقيل ضعفه مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله كلما زاد ضعفا زاد مثلا والذي حمل هذا القائل ذلك فراره من استواء دلالة المفرد والتثنية فإنه رأى ضعف الشيء هو مثله الزائد عليه فإذا زاد إلى المثل صار مثلين وهما الضعف فلو قيل لها ضعفان لم يكن فرق بين المفرد والمثنى فالضعفان عنده مثلان مضافان إلى الأصل ويلزم من هذا أن يكون ثلاثة أضعاف ثلاثة أمثاله مضافة إلى الأصل ومثله وعليه يدل قوله تعالى: {فآتت أكلها ضعفين} أي مثلين وقوله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} أي مثلين ولهذا قال في الحسنات {نؤتها أجرها مرتين}.
وأما ما توهموه من استواء دلالة المفرد والتثنية فوهم منشؤه ظن أن الضعف هو المثل مع الأصل وليس كذلك، بل المثل له اعتباران إن اعتبر وحده فهو ضعف وإن اعتبر مع نظيره فهما ضعفان والله أعلم.
واختلف في رافع قوله: {فطل}:
فقيل هو مبتدأ خبره محذوف أي وطله يكفيها وقيل خبر مبتدأه محذوف فالذي يرويها ويصيبها طل والضمير في أصابها إما أن يرجع إلى الجنة أو إلى الربوة وهما متلازمان. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ}.
مفعول له: {وَتَثْبِيتًا} معطوف عليه. ويجوز أن يكونا حالين. أي: مبتغين ومتثبتين: {مِّنْ أَنفُسِهِمْ} قال أبو البقاء: يجوز أن يكون من بمعنى اللام أي: تثبيتًا لأنفسهم، كما تقول: فعلت ذلك كسرًا من شهوتي، ويجوز أن تكون على أصلها أي: تثبيتًا صادرًا من أنفسهم. والتثبيت مصدر فعل متعد. فعلى الوجه الأول: يكون: {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} مفعول المصدر.
وعلى الثاني: يكون المفعول محذوفًا. تقديره: ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية، ويجوز أن يكون تثبيتًا بمعنى تثبت فيكون لازمًا. والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض. ومثله قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]. أي: تبتلًا. انتهى. وعن الشعبي: تثبيتًا تصديقًا ويقينًا: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} أي: بستان: {بِرَبْوَةٍ} أي: موضع مرتفع: {أَصَابَهَا وَابِلٌ} مطر كثير: {فَآتَتْ أُكُلَهَا} أي: أخرجت ثمرها: {ضِعْفَيْنِ} أي: بالنسبة إلى غيرها من الجنان: {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} وهو المطر الضعيف، أو أخف المطر، أو أضعفه أو الندى. ولابد من تقدير مضاف هنا كما تقدم: إما من جانب المشبه أو المشبه به. أي: ومثل نفقة الذين... الخ. أو كمثل غارس جنة الخ. رعاية للتناسب.
قال الشهاب: وفي التشبيه وجهان:
أحدهما: أنه مركب، والتشبيه لحال النفقة بحال الجنة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله، كيفما كانت الحال.
والثاني: أن تشبيه حالهم بحال الجنة على الربوة في أن نفقتهم، كثرت أو قلت، زاكية زائدة في حسن حالهم. كما أن الجنة يضعِّف أكلها قويُّ المطر وضعيفه. وهذا أيضًا تشبيه مركب. إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات. وحاصله: أن حالهم في اتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر، كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها. ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن يكون من تشبيه المفرد بالمفرد، بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة. والنفقة الكثيرة والقليلة: بالطل والوابل، والأجر والثواب: بالثمرات. والربوة مثلثة الراء. وأُكل بضمتين، وتسكن للتخفيف. وبه قرئ: {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تحذير عن الرياء وترغيب في الإخلاص. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}.
إن ابتغاء مرضاة الله في الإنفاق تعني خروج الرياء من دائرة الإنفاق، فيكون خالصا لوجهه سبحانه وأما التثبيت من أنفسهم، فهو لأنفسهم أيضا. فكأن النفس الإيمانية تتصادم مع النفس الشهوانية، فعندما تطلب النفس الإيمانية أي شيء فإن النفس الشهوانية تحاول أن تمنعها. وتتغلب النفس الإيمانية على النفس الشهوانية وتنتصر لله. والمراد ب {تثبيتا من أنفسهم} هو أن يتثبت المؤمن على أن يحب نفسه حبا أعمق لا حبا أحمق. إذن فعملية الإنفاق يجب أن تكون أولا إنفاقا في سبيل الله، وتكون بتثبيت النفس بأن وهب المؤمن أولا دمه، وثبت نفسه ثانيا بأن وهب ماله، وهكذا يتأكد التثبيت فيكون كما تصوره الآية الكريمة: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} من الآية [265 سورة البقرة].
والجنة كما عرفنا تطلق في اللغة على المكان الذي يوجد به زرع كثيف أخضر لدرجة أنه يستر من يدخله. ومنها جن أي ستر، ومن يدخل هذه الجنة يكون مستورًا. إن الحق يريد أن يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاته وتثبيتا من أنفسهم الإيمانية ضد النفس الشهوانية، فيكون الواحد منهم كمن دخل جنة كثيفة الزرع، وهذه الجنة توجد بربوة عالية، وعندما تكون الجنة بربوة عالية فمعنى ذلك أنها محاطة بأمكنة وطيئة ومنخفضة عنها، فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على ربوة؟ وقد أخبرنا الحق بما يحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث ويكتشف آثار المياه الجوفية على الزراعة.
فهذه الجنة التي بربوة لا تعاني مما تعاني منه الأرض المستوية، ففي الأرض المستوية قد توجد المياه الجوفية التي تذهب إلى جذور النبات الشعرية وتفسدها بالعطن، فلا تستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللازم للنبات، فيشحب النبات بالاصفرار أولا ثم يموت بعد ذلك، إن الجنة التي بربوة تستقبل المياه التي تنزل عليها من المطر، وتكون لها مصارف من جميع الجهات الوطيئة التي حولها، وترتوي هذه الجنة بأحدث ما توصل إليه العلم من وسائل الري، إنها تأخذ المياه من أعلى، أي من المطر، فتنزل المياه على الأوراق لتؤدي وظيفة أولى وهي غسل الأوراق.
إن أوراق النبات- كما نعلم- مثل الرئة بالنسبة للإنسان مهمتها التنفس، فإذا ما نزل عليها ماء المطر فهو يغسل هذه الأوراق مما يجعلها تؤدي دورها فيما نسميه نحن في العصر الحديث بالتمثيل الكلوروفيلي. وبعد ذلك تنزل المياه إلى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء النبات، فتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء، وينزل الماء الزائد عن ذلك في المصارف المنخفضة. وهذه أحدث وسائل الزراعة الحديثة، واكتشفوا أن المحصول يتضاعف بها.
إن الحق يخبرنا أن من ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم كمثل هذه الجنة التي تروي بأسلوب رباني، فإن نزل عليها وابل من المطر، أخذت منه حاجتها وانصرف باقي المطر عنها، {فإن لم يصبها وابل فطل}؛ والطل وهو المطر والرذاذ الخفيف يكفيها لتؤتي ضعفين من نتاجها. وإذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات. والله يضرب لنا مثلا ليزيد به الإيضاح لحالة من ينفق ماله رئاء الناس فيسأل عباده المؤمنين وهو أعلم بهم فيقول جل شأنه: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}. اهـ.